يحكى أنه كان هناك رجلا قد أعطاه الله المال الوفير ولكنه لم يعطه إلا ولدا واحدا وكان عن كبر في سنه، لذلك رغب الوالد الشيخ الكبير في تزويجه وهو مازال صغيرا في السن، إذ لم يكن حينها قد تجاوز الخامسة عشرة من عمره بعد، وكلما انتقى الوالد فتاة لابنه رفضها الابن وبشدة معللا رغبته في انتقاء شريكة حياته بنفسه، وعندما يأس الوالد من أمره ولأنه يريد تزويجه بأسرع وقت ممكن حتى يتمكن من رؤية أبنائه قبل موته وافق على رأيه ولكنه عاهده بأن يفعل كل ما يوصيه به.
على الوالد الشيخ الوصية وعلى الابن انتقاء العروس التي يريد ويبغى، فأوصاه والده بأن تكون ذات نسب وبكر، وعده الابن بذلك ولكنه فترة قصيرة وانساق وراء رفقاء السوء الذين أشاروا عليه بامرأة شديدة الجمال ولكنها لا تعود إلى نسب وقد تزوجت من عدة رجال، فأعجب بجمالها وتزوج منها ونقض عهد والده، ومن أجل ألا يضايق والده القعيد لم يخبره بالحقيقة فكذبا عليه.
مرت الأيام والشهور والسنين وتوفي الوالد وابنه لم يرزق بالذرية بعد كما تمنى؛ وما أن توفي الوالد حتى أعلنت الزوجة عن إفلاسهما وأمرت زوجها بالعمل، ولكن الابن كان يرى أن عمله بنفس بلدته أمرا شاقا وغليظا على نفسه، لذلك أخبر زوجته بأنه يعمل أي شيء ولا يتكبر على أي عمل ولكنه يصعب عليه أن يعمل بنفس المكان الذي لطالما تربى به وهو سيد على سادات القوم، لذلك يتوجب عليهما الرحيل معا إلى بلدة أخرى لكسب العيش بها، رفضت زوجته وبشدة وأصرت على البقاء في بلدتها وأنها لا تريد مغادرتها، أما إن كان يريد كذلك فليفعل وهي تنتظره.
وبالفعل رحل الزوج إلى بلدة أخرى طلبا وسعيا وراء الرزق، وهناك أوقعه حظه الطيب في تاجر كبير من كبار القوم، وبالصدفة وأثناء حديثهما سويا علم التاجر بأنه الابن الوحيد للرجل الثري صاحب الأفضال عليه، ولكنه عندما علم التاجر بخبر وفاته ومن ثم خبر إفلاس الابن من بعد والده اندهش كثيرا، واندهاشه الشديد جعله يسأل الابن بما أوصاك والدك؟، وعندما لم يفهم الابن السبب وراء سؤال التاجر، أوضح له التاجر مبينا أن والده كان رجلا حكيما للغاية وفاحش الثراء أيضا، وسأله إن كان أوصاه بأن يذهب إلى شخص بعينه من أجل مساعدته؛ تعجب الابن وأخذ وقتا طويلا في التفكير ولكنه لم يتذكر سوى وصية والده الوحيدة حينما أصر على زواجه بأن عليه أن يختارها ذات نسب وبكر، وأنه قد كذب على والده وقص على التاجر القصة كاملة.
كان التاجر ووالد الشاب تربطهما صلة وطيدة، ومن كلام التاجر عن والده تبين للشاب أن والده كان صاحب فضل عليه، وأن التاجر يبغي رد الجميل لصاحب الفضل عليه والذي توفي عن طريق مساعدته لابنه الوحيد؛ فأوضح التاجر أن هناك سرا يربط بين زوجته الذي كذب على والده من أجلها وبين تركة والده الطائلة المختفية؛ استضافه بالتأكيد في منزله وتفكر في خطة لكشف حقيقة الأمر.
بداية سأله التاجر إن كان يريد مساعدته فعليه أولا أن يتزوج من ابنته، فوافق الشاب على ذلك الشرط وحققه، وثانيا أمره بألا يقرب على زوجته إلا بعد عودتهما، وخلال هذه الرحلة سيعودان فيها إلى منزل والده على كون ابنته جارية صماء بكماء، وبدور ابنته ستكون العين التي ستنكشف بها كل الحقائق، وبالخفاء أخبر زوجته بأن تطلي ابنتها بالفحم الأسود ليتغير لونها وتداوم الفتاة على فعل ذلك حتى يعود بها الشاب من جديد.
وعندما وصل الشاب أخبر زوجته بأنه قد عمل ببلدة أخرى وقد أثمر عمله فجلب لها جارية سوداء اللون تعمل على خدمتها وراحتها وأنها صماء بكماء، مكثا في المنزل قرابة العشرة أيام علمت فيهم الفتاة كل صغيرة وكبيرة تتعلق بتدابير الزوجة اللعينة، فقد كانت على علاقة غير شرعية برجل آخر وتنتظر بفارغ الصبر طلاقها حتى تجتمع معه، وقد ملأت خزنة سرية بالمنزل بالأموال والذهب، وأنها بين الحين والآخر تغدق على الرجل الذي تعشقه.
كشفت الفتاة كل أمرها للزوج المخدوع، فقام بإخبارها بأنه عليه العودة إلى حيث عمل واستطاع جني المال، وأنها ستذهب معه لذلك عليها أن تجهز نفسها، رفضت الزوجة بشدة وطلبت منه الطلاق معللة بأنها لا ترغب في العيش مع رجل فقير معدم، طردها الشاب من المنزل الذي عرضه على الفور للبيع حتى يتخلص من كل ذكرياته الأليمة.
ذهبت المرأة الخائنة إلى الرجل الذي خانت زوجها معه فالطيور على أشكالها تقع، وأخبرته بأن عليهما شراء المنزل مهما كلفهما الأمر حيث أن به الخزنة المليئة بثروات الوالد الراحل؛ وبالفعل ذهب الرجل ليشتري من الشاب المنزل، ولأن الشاب على دراية كاملة بكل ما يدور بين الخائنين أخذ يزايد في ثمن المنزل حتى وصل إلى أضعاف مضاعفة من ثمنه المستحق.
رجع الشاب ومعه زوجته إلى منزل والدها التاجر، وأثناء العودة هطل عليهما المطر الغزير فتسبب في زوال اللون الأسود المطلي من على جسد الفتاة، وكلما انكشف لون الفتاة الحقيقي ازدادت جمالا حتى أنها تلألأت في ضوء القمر الساطع فافتتن بها الشاب وبجمالها ونقض عهد أبيها وقرب منها إذ أنه لم يستطع مقاومة شغفه بها؛ وعندما عاد أخبره بكل شيء فرأى التاجر أن يقتص منه لنقضه بالعهد، قبل الشاب وقدم حياته ثمنا لفعلته، فرضي التاجر الوالد بقص يده، وعندما أتت اللحظة الحاسمة قدمت الابنة والزوجة الجميلة يدها فداءا لزوجها إذ أنها رأت أن قص يدها لن يعيبها فهي ستظل ملكة في عيني زوجها ولكنه سيعيب زوجها فهو يحتاج إلى الذهاب والإياب من أجل عمله.
سر الشاب كثيرا لأنه أخيرا علم الحكمة من وصية والده الشيخ، وحمد الله كثيرا لفضله العظيم عليه بنعمة مثل زوجته الصالحة.